دراسة شعرية.....بقلم الكاتب الأستاذ عبد اللطيف بنصغير
وأنا أقرء للشاعر الأسدي الهيثم تحضرني دروس علم الدلالة والبلاغة ودرجات الإنزياح فعلوم اللغة تؤكد أن شرط تمام اللغة هو أن يحدث التواصل بين المرسل والمرسل إليه لن أدخل في عوالم اللسانيات الصارمة ولن أذكر أسماء علماء لغة كجان كوهن وتودوروف وبارت ودي سوسير وغيرهم من العلماء المتخصصين في الدراسات اللغوية ولكن سأقول أن الشاعر الأسدي الهيثم يكاد أحيانا أن ينفلت لسلطة القارئ وبذلك تسقط عملية التواصل التي هي بغية أي خطاب لغوي أو باللغة الفرنسية communication إلا أن ذكاءه لا يسمح له بذلك فهو قد درس الأدب ويعرف مثونه وهو شاعر يعرف جيدا أن عملية التواصل يجب أن تتم ولابد أن يبسط للقارئ الفطن خيوط المعنى فيبسط ما أمكن خطابه الشعري إلا أنه رغم ذلك فعملية الفهم لن تكون سهلة لنصوص هذا الشاعر وسيصعب على القارئ الظفر بثمرة المعنى وسأحاول في مقاربتي التحليلية لهذا النص الذي يجسد معاناة متوغلة في جسد الشاعر تعطيه آلاما مبرحة تكاد تأتي عليه وتسقطه أرضا إنه حبه لوطنه العراق هذا البلد العربي الشامخ الذي يئن تحت وطأة الصراعات وتدهور جودة بنيته السياسية وانعدام الأمن والعراق هو بلد موغل في التاريخ حظارته عميقة وأدباؤه من
أعلى طراز والشاعر يتعايش مع كل هاته المعطيات المؤلمة التي تفجرت منها طاقته الشعرية النص الشعري ورضعت من ضلعي هواك يمكن إعتباره وعاء يضم تجربة هذا الشاعر الكبير الفذة لنبدء بعون الله سبحانه لنحاول معا عزيزي القارئ أن نحاصر المعنى ونقبظ عليه في هذا النص الشعري الرائع مبنا ومعنا والذي يضع الشاعر الأسدي هيثم في مقدمة شعراء الشعر العربي الحديث
ورضعت من ضلعي...هواكِ
مواعيد الصباح توغل فينا
تدك الأغاني
لنغسل أمانينا المباركة
رضعت من ضلعي هواك صورة لغوية غارقة في المجاز تكاد تنفلت حتى لعلم البلاغة فالشاعر هو الرضيع وهو يرضع من ضلعه الذي يسكن جسده وهو يرضع هوى من ? إنها ليست إمرأة إنه وطن فوطنه مغروس في ذاته وقد رضع حبه منذ أن كان رضيعا من ضلعه فهو ولد وحب العراق عضو من جسده هو ضلعه إذا فالحبيب هو العراق وطنه مسقط رأسه مواعيد الصباح توغل فينا الشاعر في لحظة الهدوء الذي تتبعه العاصفة تدك الأغاني ببدأ التوثر تحول هدوء الصباح إلى آلة دك تدك الأغاني تصور معي وأنت تسمع أغنية صباحية مبهجة تأتي آلة مذمرة تدك المشهد لنغسل أمانينا المباركة الغسيل يطهرنا وفي هذا المشهد يدك الأماني الجميلة هو كالفيضان الذي يأتي على الأخضر واليابس
ليتحول المشهد من هدوء إلى فزع
رضعت من ضلعي هواك
وأومأت لأوشاج الريح أن تحتمي برباكِ
حتى تراني في دمائك
أنتفض كربيع تشريني
تتنمر دمائي
والوخز في جسدي
أنظروا معي إلى هاته التركيبات اللغوية المجازية التي تكاد تنفلت للقارئ أومأت لأوشاج الريح أن تحتمي برباك هي لغة تختلط بدقات قلب الشاعر كما لوأنه يتحكم في ريح الخريف هاته الريح الخريفية تعبر عن إحساسه عن ألمه وهو يريدها أن تحتمي بربى وطنه حتى تراني في دمائك كما لو أن الوطن جسم يحيا وهو يريد أن يسري في عروقه مع دمائه الشاعر جسم الوطن كما لوأنه كائن حي أنتفض كربيع تشريني صورة جميلة جدا هو ربيع والربيع بهجة تغريد عصافير شقسقة طيور إلا أنه وضعه في تشرين الذي هو فصل خريف تبدأ فيه الغيوم في اكتساح السماء ليسقط.المطر هو تضارب بين فرحة وحزن يقتل الأمل بالألم تتنمر دمائي تتعكر هذا المشهد هو قتل الأمل بالألم والوخز في جسدي الوخز يكون بالإبر تصوروا معي ألم الوخز بالإبر
لاحت خويطات وجهك كالصباح
قالت :وطني والدموع أنساب
والأرصفة الصفراء صاغت الحقد
بالأغراب
وأنا أفتش عن مكان ثاني لأصلي
لاحت خويطات وجهك كالصباح الوطن في هذا السياق له وجه وقد بدى هذا الوجه مشرقا مقبلا على الحياة قالت وطني والدموع أنساب تللك الخيوط كلمت الشاعر وقالت وطني والدموع أنساب وأنسابك هم أصهارك وعند العرب النسب له قيمة عميقة متجذرة في ثقافتهم والأرصفة الصفراء صاغت الحقد بالأغراب الشاعر يتكلم عن تلك العصابات الإجرامية التي اكتسحت شوارع العراق وحولتها إلى ذمار وأنا أفتش عن مكان ثان لأصلي الصلاة لتتم يجب أن يكون أمن هدوء سكينة وهو مالم يعد موجود والشاعر يبحث عن مكان آمن لتتم صلاته هكذا نكون قد بسطنا نوعا ما اللغة الشعرية للشاعر الكبير الأسدي هيثم يبقى هذا الشاعر أيقونة icône في الشعر العربي الحديث لا يمكن تزاوجها
كم أنا ساذج يا وطني
يقتلني هارب من الموت
يذبحني مشرد من فيافي الله
يعذبني هذا الكوكب الدري
كم أنا ساذج يا وطني يقتلني هارب من الموت صورة شعرية عميقة فالهارب من الموت هو الشاعر نفسه فهاجس الخوف من الموت إذا عظم يصبح موتا يذبحني مشرد من فيافي الله الشاعر هو المشرد إحساسه بأنه متشرد عميق في نفسه حتى أصبح يذبحه أنظر معي إلى حجم الألم والمعاناة يعذبني هذا الكوكب الذري هو كوكب جميل هو ذري ولكنه مصدر للعذاب بالنسبة للشاعر
أرتمي فوق غيمة ساذجة
فأرقص والحزن كالسيف يقطعني
أسافر في قافلة الجوع
ترفضني بيادر الحنطة
تسخر مني قناديلي
والنوم كاليأس الجاهلي
كم أحب وعاظ الملوك
وأرباب الملوك
وأسياد الملوك
وأنا الآن بين أصابعي كالقبيلة الغارقة
في ديم الوحشة
وأطوار الهزيمة
أترك للقارئ متعة الإستمتاع بقراءة المقطع الأخير
بقلم بنصغير عبد اللطيف مقاربة تحليلية لقصيدة الأسدي هيثم ورضعت من ضلعي هواك
فيما يلي قصيدة الشاعر
هيثم الأسدي العراق بغداد
ورضعت من ضلعي...هواكِ
مواعيد الصباح توغل فينا
تدك الأغاني
لنغسل أمانينا المباركة
رضعت من ضلعي هواك
وأومأت لأوشاج الريح أن تحتمي برباكِ
حتى تراني في دمائك
أنتفض كربيع تشريني
تتنمر دمائي
والوخز في جسدي
لاحت خويطات وجهك كالصباح
قالت :وطني والدموع أنساب
والأرصفة الصفراء صاغت الحقد
بالأغراب
وأنا أفتش عن مكان ثاني لأصلي
كم أنا ساذج يا وطني
يقتلني هارب من الموت
يذبحني مشرد من فيافي الله
يعذبني هذا الكوكب الدري
أرتمي فوق غيمة ساذجة
فأرقص والحزن كالسيف يقطعني
أسافر في قافلة الجوع
ترفضني بيادر الحنطة
تسخر مني قناديلي
والنوم كاليأس الجاهلي
كم أحب وعاظ الملوك
وأرباب الملوك
وأسياد الملوك
وأنا الآن بين أصابعي كالقبيلة الغارقة
في ديم الوحشة
وأطوار الهزيمة
هيثم الأسدي
العراق بغداد
تعليقات