فلسفة البناء و التغير....للكاتب الفلسفي رماز الأعرج
فلسفة البناء والتغير
مجتمع *نجم*
تنمية بشرية مستدامة
3
قوانين و نظام بنيوي اقتصادي جديد
تقليل ساعات العمل كحل لمشكلة البطالة وتحسين وضع المأجورين
كانت ساعات العمل في البداية تمتد إلى 16 ساعة في اليوم, وفي مصانع النسيج والقطن في أوروبا القرن 19 وكان صاحب العمل لا تهمه ساعات الراحة المتبقية للعمال, أي 8 ساعات للراحة والنوم, وكانت بريطانيا من الدول الصناعية الكبرى في حينها, وظهرت أفكارالاشتراكية الطوباوية والتي كان روبرت أوين أحد مؤسسيها وهو أول من دعا إلى تقليل ساعات العمل إلى 8 ساعات حيث قال أن: “اليوم يجب أن يقسم إلى 8 ساعات للعمل، و8 ساعات للإستجمام، و8 ساعات للراحة.
طبّق أوين نظام 10 ساعات في بداية الأمر في مصانع القطن الخاصة بهم في قرية (نيو-لا ارك) ومن ثم وصلوا إلى 8 ساعات, لم تكن الأمور بالسهلة في بقية المصانع والدول في أوروبا، فقد ناضل العمال ووقعت الكثير من الصدامات بينهم وبين الدولة من أجل تقليل ساعات الدوام، وفي فرنسا تم تقليل ساعات العمل اليومية إلى 12 ساعة بعد ثورة فبراير1848 , منذ ذلك الوقت بدأت عدوى تقليل ساعات العمل حول العالم واستغرق الأمر الكثير من السنوات لكي يتم تطبيقه من قبل الحكومات حول العالم.
وفي بدايات القرن العشرين استجابة قلة من الشركات الغربية للنضال العمالي وبدأت تتحول إلى نظام الساعات الثماني. لكن هذا التحول لم ينل حظه من الإهتمام والصيت إلا في الولايات المتحدة عندما تبناه رجل الصناعة هنري فورد. عام 1926
حيث قرر فورد تغيير نظام العمل إلى أربعين ساعة أسبوعياً على مدى خمسة أيام، مع الإبقاء على رواتب العاملين كما هي.
وكان ذلك قراراً ثورياً، ينسجم مع طبيعة الرجل الذي أنشأ شركة فورد للسيارات وكان أول من تمكن من تحويل السيارة من اختراع عجيب تحتكره النخبة إلى سلعة مصنعة على نطاق واسع في متناول أفراد الطبقة الوسطى وسهّل انتشارها على أوسع نطاق.
وفي مقابلة مع مجلة "ورلدز ورك" عام 1926 حيث قال (إن وقت الفراغ عنصر لا غنى عنه لكي تنمو السوق الاستهلاكية ، لأن الأشخاص العاملين يحتاجون وقتاً حراً كافياً ليستخدموا فيه السلع الاستهلاكية بما فيها السيارات).
وفي عام 1940 أقر الكنغرس الأمريكي تشريعاً حدد فيه ساعات العمل ب40 ساعة أسبوعياً على مدى خمسة أيام، ليصير هذا معياراً عالمياً منذ ذلك الحين.
لنجري مقارنة الآن ليس بين القرن ال 19 بل دعنا نأخذها أقرب من ذلك لعدم المبالغة و الضبابية , ولنأخذ التاريخ الذي أقر فيه هذا النظام وانتشر العمل به على نطاق عالمي ونجري مقارناتنا ونستنتج الخلاصات منها.
من عام 1940 والغاية 2020 تقع 80 عام من الزمن, ولو أجرينا مقارنة بسيطة بين مستوى التطور الميكانيكي و التكنولوجي والتقني والالكتروني والرقمي, إنها فوارق مذهلة بل وثورات متلاحقة من الطاقة إلى مختلف العلوم والتقنيات والإتقان والسرعة المذهلة في كل شيء وفي جميع مجالات الحياة, والسلعة التي كانت تستغرق 10 ساعات عمل لإنتاجها لم تعد تستغرق نصف ساعة, أي على الأقل انخفض الوقت الضروري لإنتاجها إلى 20 مرة, وهذا يعني أن تكلفتها قد انخفضت بنفس المعدل, في الوقت الذي لو قارنا السعر بين ذلك العصر واليوم سنجده قد تصاعد أكثر من هذا المعدل, أي أن الربح قد تضاعف أيضاً بنفس المستوى, بينما لم يزيد على أساسيات حياة العمال المنتجين الكثير, بل تضاعفت أسعار السلع عدة مرات قبل أن يرتفع معدل الأجور, مما يعني أن القدرة الشرائية للعمال والموظفين والمستخدمين المأجورين في انخفاض مستمر , بينما الأسعار في ارتفاع مستمر أيضا.
ومع الزمن والتسارع في عجلة التطور يسير معدلات الربح إلى الإرتفاع والتضاعف المتواصل, بينما يتواصل الانخفاض في مستوى حياة المأجورين وتدني قدرتهم الشرائية مع مرور الوقت, مع العلم أنهم , أي المأجورين والمستخدمين يشكلون الأغلبية الساحقة من المجتمع المعاصر, وهذا من أبرز أسباب تفاقم وتصاعد أزمة البطالة, حيث الغالبية يبحث عن عمل, وليس صاحب عمل, بينما الأغلبية منتجين, ولكنهم لا يمتلكون وسائل إنتاج, ولا رغبة لديهم في ذلك, ولا قدرة لهم أيضاً على إقامة مشاريع إنتاجية حيث طبيعة السوق لا تسمح للصغار بالوجود أو المنافسة, فالسوق الحديث وطبيعته لا تسمح إلا للعمالقة من الشركات والمنتجين بالتواجد والمرور عبره.
وبذلك يصبح الغالبية في أزمة استهلاكية مستدامة, وهذا بدوره سيخفض الاستهلاك على السلعة في السوق, مما يزيد من الأزمة تراكم ويفاقمها, حيث الاستهلاك ضعيف, والغالبية العظمى المعتمد عليها في الاستهلاك المعاصر فاقدة للقدرة الشرائية والاستهلاكية المتناسبة مع مستوى الإنتاج, وبذلك يخلق السوق الجديد أزماته بذاته, من خلال قوانين السوق المتروكة على قانون الربح والاحتكار المعاصر, بعد أن تم القضاء على المنافسة الرأسمالية السابقة, ما قبل (التكنوريالية)
وهنا نقدم مقترح الحل الأمثل المتوفر والمناسب للجميع, والذي يحافظ على استمرارية النمو الطبيعي والمتوازن للمجتمع والسوق ويقلل من حدة الأزمات والبطالة.
1 : تحديد ساعات العمل ما بين 4 إلى 6 ساعات,
هذا يعتمد على نوع العمل,
وهذا من أفضل الحلول المقترحة, وقد أشرنا إلى أن الربح تضاعف أضعاف تتجاوز العشرين مرة حد أدنى, في حين بقية الأجور في انخفاض مستمر, ولم يعد المأجور قادر على استهلاك منتجات السوق, فيصبح الحل الأفضل هو الاتجاه نحو تخفيف الأعباء على المستهلك وتوفير متسع وإمكانية له للإستهلاك, فنخفض نسبة الربح في السلعة الواحدة , بينما نرفع نسبة الإستهلاك ونضاعفها من خلال إتاحة المجال والفرص لأكبر عدد ممكن من الناس لاستهلاكها , وبذلك نكون حصلنا على نتيجة مفادها أن الربح قد ارتفع أيضاً , وذلك بحكم زيادة الإستهلاك للسلع من خلال تسهيل فرص استهلاكها.
وحين نقلل ساعات العمل مع مراعاة رفع مستوى الأجور إلى القدرة الشرائية للمنتجات والسلع , سيرتفع معدل الإستهلاك و يعود إلى وضعه الطبيعي , أو قد تصعد قليلاً ولكنه لن يكون معرض لظروف الأزمات الحالية , حيث أزمة فقدان القدرة الشرائية وفي نفس الوقت ارتفاع الأسعار ومعدلات الربح إلى مستوى خيالي , ولكن ما جدوى ذلك كله إذا لم تستهلك السلعة ذاتها , وهنا يتجمد السوق ويدخل في أزمة مزمنة لا مجال لحلها , إلا بإعادة إحياء القوى الشرائية للمستهلك , وبذلك تعود دورة السوق إلى الدوران وتستهلك السلع ويطلب السوق المزيد وتدور العجلة من جديد.
إن أفضل السبل لعلاج هذه الأزمة , المستدامة هو إيجاد الحلول للدورة الإنتاجية للمجتمع , بكامل مراحلها , بداية بالمواد الخام والبنية التحتية , إلى وسائل الإنتاج وأدوات العمل والقوى العاملة , والسوق والتغليف والتسويق , أي لغاية وصول السلعة للمستهلك , هذا كله بحاجة إلى إعادة برمجة وقنونة بما يسهل دورة الإنتاج بكاملها, وبذلك نضمن عدم إنتاج سلع فائضة عن الحاجة, ونعرض الأسعار للكسر في نهاية الموسم, فهذا كله يحتسب في سعر السلعة على عموم المستهلكين في النهاية.
وبهذه الطريقة نكون قد حافظنا على السوق مستدام ومستهلكين دائمين لديهم القدرة و الوقت الكافي لاستهلاك المنتجات والسلع , ويستمر الناس في حياتهم الطبيعية والسوق والمجتمع بأسره بلا أزمات باهضه الثمن يعيشها الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي من أزمات باتت مستدامة ولا حلول لها إلا بكبح جماح الربح المجنون لمتغطرس ووضع حد لفوضى السوق العمياء مما سيوفر طاقات هائلة تهدر دوماً بسبب فوضي السوق المفتوحة على غاربها كالقطعان السائبة.
وبهذه الطريقة أيضاً نضمن تغيرات ملموسة في نظام توزيع الثروات والمنتوج الاجتماعي الذي ينتج اجتماعياً ولحاجات اجتماعية أساسية للأفراد وتمتلكه أقلية وتستحوذ على الربح وعلى النوع المنتج وعلى كل شيء, ستساهم هذه الطريقة الجديدة في إعادة توزيع الدخل الاجتماعي بين أفراد المجتمع بطريقة أفضل وأكثر عدالة, وكما سيساهم ذلك في إعادة تنظيم قانون الملكية الخاصة المجحف وإتاحة الفرصة للمنتجين الأساسين وهم المستخدمين والموظفين المأجورين الذين يشكلون أساس العملية الإنتاجية و التسويق بكاملة, هؤلاء هم من يجب إنصافهم , من خلال تحسين ظروف عيشهم وحصولهم على جزء من حقهم في نصيبهم الحقيقي من المنتوج الاجتماعي الذي ينتجونه.
إن إشراك الغير مالكين لوسائل إنتاج ولكنهم منتجين أو مشاركين في المجتمع كموظفين ومستخدمين, ومعدمين الملكية الخاصة ومحرومين منها, ولكنهم أصبحوا يمتلكون حصة أكبر من المنتوج الاجتماعي, أي أن حقهم في امتلاك حصة قريبة للعدالة أو متجهة إلى الأفضل سيشكل مساهمة كبيرة ومدخل لحلول لمفهوم الملكية الخاصة, عملية وليس نظرية على الورق, فنظام الملكية الخاصة شمولي وليس بالإمكان إزالته بجرة قلم أو قانون ما يوضع, إن القضية بنائية واجتماعية ونظام متكامل, وعلاجه يتطلب الكثير من الإجراآت العملية والتطبيقية المباشرة, من أهمها إعادة النظر في طريقة ونظام توزيع الثروات الاجتماعية القومية, ومن ضمنها المنتوج الاجتماعي والربح.
إن المالك لوسيلة الإنتاج سيكون وضعه أفضل من الوضع الحالي, حيث سيضمن استمرارية للسوق والإنتاج وسيكون على وئام مع المستخدمين, بسبب وضعهم الجديد الذي يتيح لهم الفرصة ليكونوا مستهلكين لوسائل العيش والرفاهية, من جهة من جهة أخرى قد حصلوا على نصيب أكبر من حقهم كمواطنين شركاء في المجتمع الذي يعيشوا فيه بظروف متساوية في الفرص بين غالبية أعضاء المجتمع المعني.
وهذا من أهم ما تقدمه نجم للنظام الاجتماعي الجديد مجتمع التعايش والمشاركة وهو مجتمع انتقالي مرحلي سيقود في النهاية إلى بنية اجتماعية مختلفة قادرة على إنتاج إنسان يدرك ذاته و الآخرين, والحياة والعالم بشكل متوازن ويكون قادراً على بناء حياة جديدة لإنسان جديد مختلف نوعياً عن إنساننا الحالي الغبي السطحي الأفكار و الرؤية والمفاهيم, و المسلوب الهوية الإنسانية الأصلية, حيث أصبح عبد وضحية من ضحايا نظام الملكية الخاصة العين الذي جعل من الإنسان مجرد عبد متصارع مع ذاته, إن هزمها هزم وإن هزمته كسر.
رماز الاعرج
الصور المرفقة من فلسطين التاريخية
تعليقات